1- التوحيد محور السيرة النبوية
2- شخصية الرسول وأبعادها الإنسانية
3- محمد (ص) رسول الإنسانية والحرية
التوحيد محور السيرة النبوية
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)
رسول الله (صلّى الله عليه وآله) معلم التوحيد، التوحيد هو: الخط البياني للسيرة النبوية، والخلفية التي كانت وراء ك خطوة من خطوات الرسول، وكل حركة وسكنة، وكل لمحة أو لفتة هو: التوحيد، بل أن التوحيد هي النقطة المركزية في هذا الكون، والنواة الأولى التي يقوم عليها نظام الحياة، فكل ذرة من ذرات الكون تحكي عن نظام التوحيد.
من الذرة التي هي اصغر جزيء في هذا الكون إلى المجرة يحكمها نظام واحد فالنظام الذي تقوم عليه الذرة هو نفس النظام الذي تقوم عليه المجرة لأن المنظم واحد والخالق المبدع واحد.
أم كيــــف يجـــحده الجاحد
كـــل تســـــكينة شــــــاهد
تـــدل علـــى انــــه واحـــد
فواعجبا كيف يعصي الإله
ولله فــي كل تحريكة وفي
وفي كــــل شـــيء له آية
إذن التوحيد هي الروح التي تسري في جسد هذا الكون، كما أن التشريعات السماوية ورسالات الأنبياء تأتي مطابقة للنظام التكويني وهدفها تجسيد نظام التوحيد في الحياة المعلية والحياة الاجتماعية للإنسان لكي تكون حياة الإنسان موافقة لمسيرة الكون وسير الإنسان في هذا التيار العام الذي تسير فيه كل كائنات الطبيعة.
وفي السيرة النبوية نجد لمسات التوحيد واضحة على كل جانب من جوانبها فأولاً: هذا النجاح الباهر الذي حققه رسول الله في دعوته دليل واضح على ذلك التوفيق الإلهي والإرادة السماوية التي كانت تدفع بهذه المسيرة نحو النجاح فالحركة التي فجرها رسول الله كانت حركة سياسية اجتماعية قائمة على أساس عقائدي رصين، هذا ما أدركه أعداء الرسالة، متمثلاً في الموقف العنيد الذي وقفوه من الرسالة والرسول، وثاني: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصموده وإصراره وتفانيه في سبيل الرسالة كان أيضاً دليلاً على انه ينطلق من منطلق مبدئي عقائدي ولم يكن الاختلاف بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وطغاة قريش اختلافاً شكلياً على ترك الأصنام أو نبذ الأوثان ولو كانت المسألة تنتهي عند هذا الحد لكانت المسألة تنتهي عند هذا الحد لكانت المسألة بسيطة لكن من ناحية هذا الإصرار والعناد الذي اتخذه الجاهلون وعتاة قريش إلى درجة إعلان الحرب المسلحة وتجنيد كل الطاقات والقوى لإفناء الرسالة ومن ناحية أخرى نلاحظ الصمود الرسالي الذي تجسد في حياة رسول الله في سلوك المسلمين الأوائل من أصحاب رسول الله كان دليلاً على تلك الخلفية العقائدية والمنطلق التوحيدي الذي كان ينطلق منه الرسول وأصحابه.
فنقرأ صوراً من هذه المواقف التي حدثت بين أعداء الرسالة ممّا يؤكد أن الطرفين كانا يدركان أهمية القضية وجديتها وحجمها المستقبلي.
روي ابن إسحاق لمّا مشوا إلى أبي طالب وكلموه وهم أشراف قومه عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف وأبو سفيان بن حرب وفي رجال من أشرافهم جاءوا إلى أبي طالب وقالوا: (يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك فخذ لنا منه وخذ له منا ـ يعني أنقل له وجهة نظرنا وأنقل لنا وجهة نظره ـ ليكف عنّا ولنكف عنه وليدعنا وديننا ولندعه ودينه).
فبعث إليه أبو طالب فجاءه فقال: يا ابن أخي هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليعطوك وليأخذوا منك فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (كلمة واحدة تعطونها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم)
فقال أبو جهل: نعم وأبيك وعشر كلمات قال: تقولون (لا إله إلا الله) وتخلعون ما تعبدون من دونه، فصفقوا بأيديهم وأما هذه الكلمة فلا، لأنهم يدركون مغزى هذه الكلمة وأن هذه الكلمة لا تنتهي عند مجرد تردادها بل إنها تتطلب منهم أن يتنازلوا عن مصالحهم الشخصية وعن أفكارهم الجاهلية ويتنازلون عن ظلمهم واستغلالهم للمستضعفين وبالتالي يخضعوا لنظام اجتماعي جديد ولما لم ينفع الحوار مع النبي ولم يؤد إلى نتيجة توسلوا بطريقة أخرى وهي طريقة الإغراء وعرض الإغراءات السخية على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لاستدرجوه إلى مواقفهم ويثنوا عن طريقته ودعوته.
جاء عتبة بن ربيعة يوماً إلى رسول الله يعرض عليه العروض السخية ويعرض عليه الملك إليه مستعلياً بإيمانه معتزاً بإسلامه:
(ما جئتكم لما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم والملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوا عليه أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم).
ولما فشلت سياسة الإغراء ووسائل التطميع ولم تؤثر العروض والمغريات على رسول الله.
فجاءوا هذه المرة وأرادوا أن يتفقوا مع رسول الله على حل وسط حتى يرضوه ويخففوا من مواقفه الرسالية المتشددة تجاههم: (فاقترحت قريش على النبي أن يعبد آلهتهم شهراً ليعبدوا الله شهراً آخر فنزل القرآن الكريم بذلك الموقف الحاسم الذي لا يقبل الحلول الوسط ولا يقبل المهادنة مع أعداء الله أو المساومة معهم على أنصاف الحلول، بل جاء القرآن بموقف رسالي حاسم في سورة (الجحد) أو (الكافرون).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)
فحاولوا بشتى الطرق الممكنة ليثنوا النبي عن دعوته ورسالته.
وهذه المرة حاولوا عن طريق التهديد والتعذيب والتنكيل لأصحابه المؤمنين، فأوعزت دار الندوة إلى كل قبيلة من القبائل لتوعز إلى أفرادها بأن ينظروا إلى كل من يصبوا إلى دين محمد (صلّى الله عليه وآله) فيأخذوه ويسلموه إلى قبيلته لتعاقبه وتحبسه وتمنعه من التوجه إلى الدين الجديد وبدأت حملات الاعتقال والمطاردة لتبتلع الشباب المؤمن من أبناء القبائل وبدأ المستضعفون من صحابة رسول الله يتعرضون لأقسى ألوان التعذيب والتنكيل من قبل عتاة قريش (بلال، وعمار بن ياسر ووالده ياسر، وسميّة، وصهيب، وبقية المستضعفين من أصحاب الرسول) فكانوا يلهبون صدورهم بالسياط ويلقون بأجسادهم العارية على تلك الصحراء الملتهبة بحرارة الشمس فما كانوا يزدادون إلا إصراراً وصموداً وثباتاً على عقيدة التوحيد وكان بلال ـ وهو يتضور ألماً تحت سياط التعذيب ـ يردد كلمة: أحد، أحد، أحد.
فهذه عقيدة التوحيد والتي تجسدت في هذا الصمود الرسالي في سلوك النبي وفي سلوك أصحابه الكرام، كما أن أعداء الرسالة من الكافرين والمستكبرين الذين تضررت مصالحهم من دعوة النبي كانوا يدركون تلك الخلفية التي تعنيها كلمة التوحيد.
جاء في كتب السيرة أن النبي قصد قبائل العرب في منازلهم وتوجه إلى كل فرع، من فروعهم يدعوهم إلى عقيدة التوحيد فذهب إلى بني عبد الله فرع من قبيلة كليب وقال يا بني عبد الله إن الله قد أحسن اسم أبيكم وقد اخترتكم على من سواكم ثم عرض عليهم الإسلام فلم يقبلوا منه، كما اتجه إلى مجموعة القبائل التي كانت تأتي إلى الحج في أيام الموسم فكان النبي يستغل الموسم لعرض دعوته على القبائل العربية فذهب إلى حجاج بني عامر وبني صعصعة وعرض عليهم الإسلام ومناصرته فقال رجل منه يدعى بصيرة بن عبد الله بن سليمة: (والله إنني لو أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ـ يعني إن لهذا الرجل مستقبلاً عظيماً فإذا أتحالف معه الآن يفيدني في المستقبل لأنه سوف يكون له شأن عظيم ـ ثم جاء إلى النبي لكي يساومه فقال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون الأمر لنا من بعدك؟
فقال له النبي: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء فقال له:
أفتستهدف نحورنا للعرب دونك فإذا ظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا فيك.
فهذا النوع من الناس كان يريد أن يحصل من دخوله في الإسلام على مصلحة شخصية أو مكسب سياسي لكن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان منطلقه هو التوحيد لله فماذا يعني التوحيد؟
في الحديث الشريف: (الإيمان اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان).
إن فكرة التوحيد ليست مجرد نظرية باردة ترقد في الذهن أو فكرة تعيش في الفراغ بل أن عقيدة التوحيد يجب أن تتحول إلى سلوك عملي وولاء للقيادة الإسلامية وتسليم لنظام السماء وعلى الإنسان أن يوحد الله في كل مجال من مجالات الحياة في علاقته الاجتماعية في نظامه الاقتصادي ومنهاجه التربوي في حكومته وفي كل لشأن من شؤون حياته الفردية والاجتماعية إنما يخضع لله ولقانون الله.
يوم العقبة حيث تم اللقاء بين الرسول وبين أهل المدينة وعرض عليهم النبي دعوته وطلب منهم مناصرته وأخبرهم بهجرته إليهم في المستقبل كان من أمرهم هذا الحوار الذي جرى بين مجموعة من الأنصار ـ أي أهل المدينة ـ:
قام العباس بن عابدة وقال: (يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم.
2- شخصية الرسول وأبعادها الإنسانية
3- محمد (ص) رسول الإنسانية والحرية
التوحيد محور السيرة النبوية
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)
رسول الله (صلّى الله عليه وآله) معلم التوحيد، التوحيد هو: الخط البياني للسيرة النبوية، والخلفية التي كانت وراء ك خطوة من خطوات الرسول، وكل حركة وسكنة، وكل لمحة أو لفتة هو: التوحيد، بل أن التوحيد هي النقطة المركزية في هذا الكون، والنواة الأولى التي يقوم عليها نظام الحياة، فكل ذرة من ذرات الكون تحكي عن نظام التوحيد.
من الذرة التي هي اصغر جزيء في هذا الكون إلى المجرة يحكمها نظام واحد فالنظام الذي تقوم عليه الذرة هو نفس النظام الذي تقوم عليه المجرة لأن المنظم واحد والخالق المبدع واحد.
أم كيــــف يجـــحده الجاحد
كـــل تســـــكينة شــــــاهد
تـــدل علـــى انــــه واحـــد
فواعجبا كيف يعصي الإله
ولله فــي كل تحريكة وفي
وفي كــــل شـــيء له آية
إذن التوحيد هي الروح التي تسري في جسد هذا الكون، كما أن التشريعات السماوية ورسالات الأنبياء تأتي مطابقة للنظام التكويني وهدفها تجسيد نظام التوحيد في الحياة المعلية والحياة الاجتماعية للإنسان لكي تكون حياة الإنسان موافقة لمسيرة الكون وسير الإنسان في هذا التيار العام الذي تسير فيه كل كائنات الطبيعة.
وفي السيرة النبوية نجد لمسات التوحيد واضحة على كل جانب من جوانبها فأولاً: هذا النجاح الباهر الذي حققه رسول الله في دعوته دليل واضح على ذلك التوفيق الإلهي والإرادة السماوية التي كانت تدفع بهذه المسيرة نحو النجاح فالحركة التي فجرها رسول الله كانت حركة سياسية اجتماعية قائمة على أساس عقائدي رصين، هذا ما أدركه أعداء الرسالة، متمثلاً في الموقف العنيد الذي وقفوه من الرسالة والرسول، وثاني: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصموده وإصراره وتفانيه في سبيل الرسالة كان أيضاً دليلاً على انه ينطلق من منطلق مبدئي عقائدي ولم يكن الاختلاف بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وطغاة قريش اختلافاً شكلياً على ترك الأصنام أو نبذ الأوثان ولو كانت المسألة تنتهي عند هذا الحد لكانت المسألة تنتهي عند هذا الحد لكانت المسألة بسيطة لكن من ناحية هذا الإصرار والعناد الذي اتخذه الجاهلون وعتاة قريش إلى درجة إعلان الحرب المسلحة وتجنيد كل الطاقات والقوى لإفناء الرسالة ومن ناحية أخرى نلاحظ الصمود الرسالي الذي تجسد في حياة رسول الله في سلوك المسلمين الأوائل من أصحاب رسول الله كان دليلاً على تلك الخلفية العقائدية والمنطلق التوحيدي الذي كان ينطلق منه الرسول وأصحابه.
فنقرأ صوراً من هذه المواقف التي حدثت بين أعداء الرسالة ممّا يؤكد أن الطرفين كانا يدركان أهمية القضية وجديتها وحجمها المستقبلي.
روي ابن إسحاق لمّا مشوا إلى أبي طالب وكلموه وهم أشراف قومه عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف وأبو سفيان بن حرب وفي رجال من أشرافهم جاءوا إلى أبي طالب وقالوا: (يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك فخذ لنا منه وخذ له منا ـ يعني أنقل له وجهة نظرنا وأنقل لنا وجهة نظره ـ ليكف عنّا ولنكف عنه وليدعنا وديننا ولندعه ودينه).
فبعث إليه أبو طالب فجاءه فقال: يا ابن أخي هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليعطوك وليأخذوا منك فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (كلمة واحدة تعطونها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم)
فقال أبو جهل: نعم وأبيك وعشر كلمات قال: تقولون (لا إله إلا الله) وتخلعون ما تعبدون من دونه، فصفقوا بأيديهم وأما هذه الكلمة فلا، لأنهم يدركون مغزى هذه الكلمة وأن هذه الكلمة لا تنتهي عند مجرد تردادها بل إنها تتطلب منهم أن يتنازلوا عن مصالحهم الشخصية وعن أفكارهم الجاهلية ويتنازلون عن ظلمهم واستغلالهم للمستضعفين وبالتالي يخضعوا لنظام اجتماعي جديد ولما لم ينفع الحوار مع النبي ولم يؤد إلى نتيجة توسلوا بطريقة أخرى وهي طريقة الإغراء وعرض الإغراءات السخية على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لاستدرجوه إلى مواقفهم ويثنوا عن طريقته ودعوته.
جاء عتبة بن ربيعة يوماً إلى رسول الله يعرض عليه العروض السخية ويعرض عليه الملك إليه مستعلياً بإيمانه معتزاً بإسلامه:
(ما جئتكم لما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم والملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوا عليه أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم).
ولما فشلت سياسة الإغراء ووسائل التطميع ولم تؤثر العروض والمغريات على رسول الله.
فجاءوا هذه المرة وأرادوا أن يتفقوا مع رسول الله على حل وسط حتى يرضوه ويخففوا من مواقفه الرسالية المتشددة تجاههم: (فاقترحت قريش على النبي أن يعبد آلهتهم شهراً ليعبدوا الله شهراً آخر فنزل القرآن الكريم بذلك الموقف الحاسم الذي لا يقبل الحلول الوسط ولا يقبل المهادنة مع أعداء الله أو المساومة معهم على أنصاف الحلول، بل جاء القرآن بموقف رسالي حاسم في سورة (الجحد) أو (الكافرون).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)
فحاولوا بشتى الطرق الممكنة ليثنوا النبي عن دعوته ورسالته.
وهذه المرة حاولوا عن طريق التهديد والتعذيب والتنكيل لأصحابه المؤمنين، فأوعزت دار الندوة إلى كل قبيلة من القبائل لتوعز إلى أفرادها بأن ينظروا إلى كل من يصبوا إلى دين محمد (صلّى الله عليه وآله) فيأخذوه ويسلموه إلى قبيلته لتعاقبه وتحبسه وتمنعه من التوجه إلى الدين الجديد وبدأت حملات الاعتقال والمطاردة لتبتلع الشباب المؤمن من أبناء القبائل وبدأ المستضعفون من صحابة رسول الله يتعرضون لأقسى ألوان التعذيب والتنكيل من قبل عتاة قريش (بلال، وعمار بن ياسر ووالده ياسر، وسميّة، وصهيب، وبقية المستضعفين من أصحاب الرسول) فكانوا يلهبون صدورهم بالسياط ويلقون بأجسادهم العارية على تلك الصحراء الملتهبة بحرارة الشمس فما كانوا يزدادون إلا إصراراً وصموداً وثباتاً على عقيدة التوحيد وكان بلال ـ وهو يتضور ألماً تحت سياط التعذيب ـ يردد كلمة: أحد، أحد، أحد.
فهذه عقيدة التوحيد والتي تجسدت في هذا الصمود الرسالي في سلوك النبي وفي سلوك أصحابه الكرام، كما أن أعداء الرسالة من الكافرين والمستكبرين الذين تضررت مصالحهم من دعوة النبي كانوا يدركون تلك الخلفية التي تعنيها كلمة التوحيد.
جاء في كتب السيرة أن النبي قصد قبائل العرب في منازلهم وتوجه إلى كل فرع، من فروعهم يدعوهم إلى عقيدة التوحيد فذهب إلى بني عبد الله فرع من قبيلة كليب وقال يا بني عبد الله إن الله قد أحسن اسم أبيكم وقد اخترتكم على من سواكم ثم عرض عليهم الإسلام فلم يقبلوا منه، كما اتجه إلى مجموعة القبائل التي كانت تأتي إلى الحج في أيام الموسم فكان النبي يستغل الموسم لعرض دعوته على القبائل العربية فذهب إلى حجاج بني عامر وبني صعصعة وعرض عليهم الإسلام ومناصرته فقال رجل منه يدعى بصيرة بن عبد الله بن سليمة: (والله إنني لو أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ـ يعني إن لهذا الرجل مستقبلاً عظيماً فإذا أتحالف معه الآن يفيدني في المستقبل لأنه سوف يكون له شأن عظيم ـ ثم جاء إلى النبي لكي يساومه فقال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون الأمر لنا من بعدك؟
فقال له النبي: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء فقال له:
أفتستهدف نحورنا للعرب دونك فإذا ظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا فيك.
فهذا النوع من الناس كان يريد أن يحصل من دخوله في الإسلام على مصلحة شخصية أو مكسب سياسي لكن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان منطلقه هو التوحيد لله فماذا يعني التوحيد؟
في الحديث الشريف: (الإيمان اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان).
إن فكرة التوحيد ليست مجرد نظرية باردة ترقد في الذهن أو فكرة تعيش في الفراغ بل أن عقيدة التوحيد يجب أن تتحول إلى سلوك عملي وولاء للقيادة الإسلامية وتسليم لنظام السماء وعلى الإنسان أن يوحد الله في كل مجال من مجالات الحياة في علاقته الاجتماعية في نظامه الاقتصادي ومنهاجه التربوي في حكومته وفي كل لشأن من شؤون حياته الفردية والاجتماعية إنما يخضع لله ولقانون الله.
يوم العقبة حيث تم اللقاء بين الرسول وبين أهل المدينة وعرض عليهم النبي دعوته وطلب منهم مناصرته وأخبرهم بهجرته إليهم في المستقبل كان من أمرهم هذا الحوار الذي جرى بين مجموعة من الأنصار ـ أي أهل المدينة ـ:
قام العباس بن عابدة وقال: (يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم.